ارتفاع الذهب إلى مستويات تاريخية بعد فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على السبائك
شهدت أسعار الذهب في الأسواق العالمية ارتفاعًا غير مسبوق هذا الأسبوع، حيث تجاوزت العقود الآجلة في بورصة كومكس مستوى 3,500 دولار للأوقية لأول مرة في التاريخ، في ظل فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية جديدة على واردات السبائك الذهبية.
في هذا المقال، نحلل تأثير هذه الخطوة على سوق الذهب العالمي، ونتابع كيف تتفاعل الأسواق المالية مع توقعات تعديل السياسة النقدية الأمريكية، بالإضافة إلى أبرز المؤشرات الاقتصادية التي يجب مراقبتها.
فرض رسوم جمركية على سبائك الذهب: خطوة غير متوقعة تهز السوق
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا عن فرض رسوم جمركية بواقع تصل إلى 39% على سبائك الذهب المستوردة، خصوصًا تلك التي تزن كيلوغرامًا واحدًا، والتي غالبًا ما تكون مصدرها السوق السويسري.
هذا القرار المفاجئ أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار العقود الآجلة للذهب، حيث استقبل المستثمرون هذه الخطوة باعتبارها تحديًا جديدًا للعرض، مما دفع سعر الأوقية إلى مستويات قياسية عند 3,534 دولارًا.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الرسوم الجمركية أثارت قلق جمعية الذهب السويسرية التي حذرت من أن هذا الإجراء قد يعرقل تدفق الذهب المادي بين سويسرا والولايات المتحدة، مما قد يؤثر على استقرار السوق الدولية للذهب.
التباين بين السعر الفوري والعقود الآجلة: فجوة تجاوزت 100 دولار
شهدت الأسواق فارقًا غير معتاد بين أسعار الذهب الفورية (spot price) وأسعار العقود الآجلة، حيث بلغ الفارق أكثر من 100 دولار للأوقية.
هذا التباين يعكس حالة من عدم اليقين في السوق، حيث يترقب المستثمرون كيفية تعامل الأسواق مع الرسوم الجمركية وتأثيرها المحتمل على سلاسل التوريد.
تداول سعر الذهب الفوري ظل ثابتًا قرب 3,397 دولارًا للأوقية، في حين قفزت العقود الآجلة إلى مستويات قياسية مدفوعة بآمال المضاربة على استمرار صعود السعر بسبب القيود الجديدة على الواردات.
توقعات خفض أسعار الفائدة: عامل رئيسي يدعم الذهب
تأتي هذه الزيادة في أسعار الذهب وسط توقعات متزايدة لدى المستثمرين بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر القادم.
البيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة، خاصة تقرير التوظيف غير الزراعي ومؤشر مديري المشتريات في قطاع الخدمات، أظهرت تباطؤًا في نمو الاقتصاد، مما زاد من فرص تخفيف السياسة النقدية.
خفض الفائدة عادة ما يدعم أسعار الذهب لأنه يقلل من تكلفة الاقتراض ويخفض عوائد الأصول ذات الدخل الثابت، مما يعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن وأداة تحوط ضد التضخم.
مؤشرات اقتصادية أمريكية حاسمة في الأفق
يراقب المتداولون والمحللون عن كثب بيانات هامة ستصدر خلال الأيام والأسابيع القادمة، منها:
مؤشر أسعار المستهلكين (CPI)
مؤشر أسعار المنتجين (PPI)
مبيعات التجزئة
طلبات إعانة البطالة الأولية
مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان
هذه البيانات ستكون حاسمة في تحديد مسار السياسة النقدية، ومدى استمرار الدعم للأسعار المرتفعة للذهب.
تأثير ارتفاع مؤشر الدولار والعائد على سندات الخزانة
مع ارتفاع أسعار الذهب، شهد الدولار الأمريكي قوة نسبية حيث ارتفع مؤشر الدولار (DXY) بنسبة 0.10% إلى 98.14 نقطة، ما حدّ من مكاسب الذهب في بعض الفترات.
كما تعافى العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات ليصل إلى 4.285%، وهو ما يضع ضغوطًا على أسعار الذهب، لأن ارتفاع العوائد يزيد تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك الذهب غير المدفوع للعائد.
التحليل الفني: هل الذهب مستعد لكسر مستويات المقاومة؟
من الناحية الفنية، يتحرك الذهب حاليًا ضمن نطاق ضيق بين 3,380 و3,400 دولار للأوقية، مع مؤشر قوة نسبية (RSI) يشير إلى زخم صاعد لكنه مستقر.
إذا تمكن الذهب من تجاوز مستوى المقاومة عند 3,400 دولار، من المتوقع أن يواجه مقاومة أخرى عند 3,452 دولارًا، قبل محاولة اختراق حاجز 3,500 دولار.
وفي حالة عدم القدرة على تخطي المقاومة، قد يتراجع السعر لاختبار الدعم قرب المتوسطات المتحركة عند 3,355 و3,348 دولار، مع احتمالية الهبوط إلى 3,279 دولارًا إذا استمر الضغط البيعي.
ما الذي يجب على المستثمرين فعله الآن؟
تنويع المحفظة: في ظل تقلبات السوق الحالية، يُنصح المستثمرون بتنويع استثماراتهم بين الذهب، العملات، والأسهم.
مراقبة البيانات الاقتصادية: متابعة مؤشرات التضخم والتوظيف ستكون ضرورية لتحديد فرص خفض الفائدة.
الاستفادة من التحليل الفني: فهم نقاط الدعم والمقاومة يساعد في اتخاذ قرارات شراء أو بيع مدروسة.
الانتباه للرسوم الجمركية: الرسوم الجمركية الأمريكية على الذهب قد تغير ديناميكيات العرض والطلب، مما يتطلب تحديث الاستراتيجيات الاستثمارية.
خاتمة
تشهد أسواق الذهب تحولات جذرية مع فرض رسوم جمركية أمريكية غير مسبوقة على واردات السبائك، مما يدفع الأسعار نحو مستويات قياسية.
في الوقت نفسه، تلعب التوقعات الاقتصادية والسياسات النقدية دورًا محوريًا في توجيه حركة السعر.
مع استمرار ترقب الأسواق للبيانات الاقتصادية الأمريكية المقبلة، يبقى الذهب وجهة جذابة للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن وحماية من التقلبات والتضخم، لكن ينصح باتباع الحذر ومتابعة المستجدات عن كثب.